فصل: 283 - مسألة: في الكلام على سنة المغرب القبلية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


كِتَابُ الصَّلاَةِ

بسم الله الرحمن الرحيم

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلِّمْ

275 - مسألة

الصَّلاَةُ قِسْمَانِ‏:‏ فَرْضٌ وَتَطَوُّعٌ؛ فَالْفَرْضُ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا، كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ‏:‏ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الأَخِيرَةُ وَالْفَجْرُ‏.‏ وَالْقَضَاءُ لِمَا نَسِيَ مِنْهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا هُوَ هِيَ نَفْسُهَا، وَالْفَرْضُ قِسْمَانِ‏:‏ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ وَفَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ حَضَرَ؛ فَإِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ سَائِرِهِمْ، وَهُوَ الصَّلاَةُ عَلَى جَنَائِزِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَالتَّطَوُّعُ هُوَ مَا إنْ تَرَكَهُ الْمَرْءُ عَامِدًا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ وَصَلاَةُ الْعِيدَيْنِ وَالاِسْتِسْقَاءُ وَالْكُسُوفُ وَالضُّحَى، وَمَا يَتَنَفَّلُ الْمَرْءُ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهَا، وَالإِشْفَاعُ فِي رَمَضَانَ وَتَهَجُّدُ اللَّيْلِ وَكُلُّ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْمَرْءُ، وَيُكْرَهُ تَرْكُ كُلِّ ذَلِكَ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ضَرُورَةِ الْعَقْلِ إلاَّ الْقِسْمَانِ الْمَذْكُورَانِ، إمَّا شَيْءٌ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى تَارِكُهُ؛ وَأَمَّا شَيْءٌ لاَ يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى تَارِكُهُ، وَلاَ وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَقَوْلُنَا‏:‏ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ وَالْحَتْمُ وَاللاَّزِمُ وَالْمَكْتُوبُ؛ أَلْفَاظٌ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَقَوْلُنَا‏:‏ التَّطَوُّعُ وَالنَّافِلَةُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا،‏.‏

وَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ هَهُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الْوَاجِبُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا خَطَأٌ؛ لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ، وَقَوْلٌ لاَ يُفْهَمُ، وَلاَ يَقْدِرُ قَائِلُهُ عَلَى أَنْ يُبَيِّنَ مُرَادَهُ فِيهِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ بَعْضَ ذَلِكَ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، قلنا‏:‏ نَعَمْ، بَعْضُ التَّطَوُّعِ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخْرِجِ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا، لَكِنْ أَخْبِرُونَا عَنْ هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ‏:‏ هُوَ وَاجِبٌ لاَ فَرْضٌ، وَلاَ تَطَوُّعٌ، أَيَكُونُ تَارِكُهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ لاَ يَكُونُ عَاصِيًا، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ عَاصِيًا فَهُوَ فَرْضٌ؛ وَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ لَيْسَ عَاصِيًا فَلَيْسَ فَرْضًا‏.‏ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الإِسْلاَمِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ‏:‏ لاَ إلاَّ أَنْ تَتَطَوَّعَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ‏.‏ وَهَذَا نَصٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِنَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ إلاَّ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنَّ مَا عَدَا الْخَمْسَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهَذَا لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ‏.‏

وَأَمَّا وُجُوبُ النَّذْرِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏}‏؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَلاَ خِلاَفَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَرْضٌ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَكَافِرٌ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ إذَا قَامَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهَا قَوْمٌ فَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُ مَا عَدَا ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَإِجْمَاعٌ مِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ إلاَّ فِي الْوِتْرِ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ‏:‏ إنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ‏:‏ إنَّهُ فَرْضٌ‏.‏ فَالْبُرْهَانُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ فَرْضٌ مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ‏:‏ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، حدثنا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ عن ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الإِسْرَاءِ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً ‏"‏ ثُمَّ ذَكَرَ عليه السلام مُرَاجَعَتَهُ لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ؛ إلَى أَنْ قَالَ ‏"‏ فَرَاجَعْت رَبِّي ‏"‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ‏)‏ فَهَذَا خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَأْمُونٌ تَبَدُّلُهُ‏.‏فَصَحَّ أَنَّ الصَّلَوَاتِ لاَ تُبَدَّلُ أَبَدًا عَنْ خَمْسٍ وَأَمِنَّا النَّسْخَ فِي ذَلِكَ أَبَدًا بِهَذَا النَّصِّ، فَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ، وَإِنَّ تَهَجُّدَ اللَّيْلِ فَرْضٌ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ الْحَسَنِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏(‏جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّلاَةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قَالَ‏:‏ الصَّلاَةُ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ‏:‏ أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ قَالَ‏:‏ شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي يَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ‏)‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

فَصَحَّ أَنَّ تَهَجُّدَ اللَّيْلِ لَيْسَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَالْوِتْرُ مِنْ تَهَجُّدِ اللَّيْلِ؛ فَبِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ صَحَّ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏(‏يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْل‏)‏ِ وَقَوْلُهُ عليه السلام لِحَفْصَةَ عَنْ أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ ‏(‏نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ‏)‏، وَقَوْلُهُ عليه السلام الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عن ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا‏)‏، وَقَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ ‏(‏بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ‏)‏ وَ ‏(‏يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا‏)‏ إنَّ هَذِهِ الأَوَامِرَ كُلَّهَا نَدْبٌ، لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الْحَدِيثُ ‏(‏إنَّ الشَّيْطَانَ يَعْقِدُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ‏)‏ وَفِي آخِرِهِ ‏(‏فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ‏)‏، وَقَوْلُهُ عليه السلام‏:‏ ‏(‏إذْ ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ لَمْ يَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ عليه السلام‏:‏ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ‏)‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَرْضِ وَنَوْمِهِ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَالْبُرْهَانُ لاَ يُعَارَضُ إلاَّ بِبُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلاَ يَخْتَلِفُ، وَلاَ يَتَكَاذَبُ، وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ الْوِتْرُ لَيْسَ فَرِيضَةً وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ تَكْذِيبُ مَنْ قَالَ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَ نَعَمْ وَهَلْ لِلْوَتْرِ فَضِيلَةٌ عَلَى سَائِرِ التَّطَوُّعِ

وَرُوِّينَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَنْ لَمْ يُوتِرْ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ سَيُوتِرُ يَوْمًا آخَرَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ سَعِيدٌ‏:‏ أَوْتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك، وَصَلَّى الضُّحَى، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك؛ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ أَوَاجِبٌ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ أَمَامَ الصُّبْحِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الصَّلاَةِ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ لاَ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ لاَ فَرْضٌ، وَلاَ تَطَوُّعٌ؛ فَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إبْطَالَهُ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ لَيْسَ فَرْضًا، وَلَكِنْ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ، وَكَانَتْ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ؛ لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو تَارِكُهُ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ غَيْرَ عَاصٍ؛ فَإِنْ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَعْصِي أَحَدٌ بِتَرْكِ مَا لاَ يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فَرْضًا؛ فَالْوِتْرُ إذَنْ فَرْضٌ، وَهُوَ لاَ يَقُولُ بِهَذَا، وَإِنْ قَالَ‏:‏ بَلْ هُوَ غَيْرُ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏ قِيلَ‏:‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ أَنْ تُجَرَّحَ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لاَِنَّ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ إلاَّ أَنَّ الْوِتْرَ أَوْكَدُ التَّطَوُّعِ، لِلأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثُمَّ أَوْكَدُهَا بَعْدَ الْوِتْرِ صَلاَةُ الضُّحَى وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَصَلاَةُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ تِلْكَ الصَّلاَةَ؛ وَصَلاَةُ الْكُسُوفِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْجُمُعَةِ؛ لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهَذِهِ، وَمَا أَمَرَ بِهِ عليه السلام فَهُوَ أَوْكَدُ مِمَّا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمِ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدِ التَّنُّورِيِّ، حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أَوْتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَصَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ إنْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَصَلِّ مَعَهُمْ فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ‏.‏

حدثنا حمام حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ أَيْمَنَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حدثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا‏.‏ ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ سَائِرَ الَّتِي ذَكَرْنَا؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَمْرٌ‏,‏ لَكِنْ جَاءَ بِهَا عَمَلٌ مِنْهُ عليه السلام وَتَرْغِيبٌ،

وَأَمَّا كَرَاهَتُنَا تَرْكَ ذَلِكَ فَلاَِنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَافْعَلُوا الْخَيْرَ‏}‏‏.‏

276 - مسألة

وَلاَ صَلاَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ وَيُسْتَحَبُّ لَوْ عُلِّمُوهَا إذَا عَقَلُوهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ فِيهِ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ؛ وَقَدْ عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ بَعْضَ حُكْمِ الصَّلاَةِ وَأَمَّهُ فِيهَا، وَيُسْتَحَبُّ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ أَنْ يُدَرَّبَ عَلَيْهَا فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ أُدِّبَ عَلَيْهَا‏.‏ لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاَةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا‏.‏

277 - مسألة

وَلاَ عَلَى مَجْنُونٍ، وَلاَ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلاَ حَائِضٍ، وَلاَ نُفَسَاءَ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلاَّ مَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِي وَقْتٍ أَدْرَكُوا فِيهِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ الدُّخُولَ فِي الصَّلاَةِ‏.‏

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ الْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ وَأَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَإِسْقَاطُ الْقَضَاءِ عَنْهَا فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّنَا

رُوِّينَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي، وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ يَقْضِي إنْ أَفَاقَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَقَطْ، وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَضَاهُنَّ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ لَمْ يَقْضِ شَيْئًا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لاَِنَّهُ لاَ نَصَّ أَتَى بِمَا قَالَ، وَلاَ قِيَاسَ؛ لاَِنَّهُ أَسْقَطَ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْهُنَّ‏.‏ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَنْ يَقْضِيَهُنَّ؛ فَلَمْ يَقِسْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَلاَ قَاسَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى النَّائِمِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا نَامَ عَنْهُ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عن ابْنِ عُمَرَ خِلاَفُ قَوْلِ عَمَّارٍ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِّينَا عَنْ عَمَّارٍ إنَّمَا هُوَ إنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ فَقَضَاهُنَّ، كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَكَى مَرَّةً غُلِبَ فِيهَا عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى تَرَكَ الصَّلاَةَ ثُمَّ أَفَاقَ فَلَمْ يُصَلِّ مَا تَرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ؛ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ‏:‏ أُغْمِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَلَمْ يَقْضِ مَا فَاتَهُ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عن ابْنِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ إذَا أُغْمِيَ عَلَى الْمَرِيض ثُمَّ عَقَلَ لَمْ يُعِدْ الصَّلاَةَ‏.‏ قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَقَالَ لاَ يَقْضِي وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالاَ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ‏:‏ لاَ يُعِيدُ الصَّلاَةَ الَّتِي أَفَاقَ عِنْدَهَا‏.‏ قَالَ حَمَّادٌ قُلْت لِعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ‏:‏ أَعُدْتَ مَا كَانَ مُغْمًى عَلَيْك قَالَ أَمَّا ذَاكَ فَلاَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لاَ يَعْقِلُ، وَلاَ يَفْهَمُ؛ فَالْخِطَابُ عَنْهُ مُرْتَفِعٌ، وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِهَا فِي وَقْتِهَا الَّذِي أُلْزِمَ النَّاسُ أَنْ يُؤَدُّوهَا فِيهِ‏:‏ فَلاَ يَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَصَلاَةٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا لاَ تَجِبُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

279 - مسألة

وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاَةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَهَذَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا، فَلْيُكْثِرْ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَصَلاَةِ التَّطَوُّعِ؛ لِيُثْقِلَ مِيزَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَلْيَتُبْ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ يَقْضِيهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، حَتَّى أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالاَ‏:‏ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلاَةٍ أَوْ صَلَوَاتٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الَّتِي حَضَرَ وَقْتُهَا إنْ كَانَتْ الَّتِي تَعَمَّدَ تَرْكَهَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَقَلَّ سَوَاءٌ خَرَجَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ؛ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ بَدَأَ بِالْحَاضِرَةِ‏.‏

بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ‏}

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا‏}‏ فَلَوْ كَانَ الْعَامِدُ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ مُدْرِكًا لَهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لَمَا كَانَ لَهُ الْوَيْلُ، وَلاَ لَقِيَ الْغَيَّ؛ كَمَا لاَ وَيْلَ، وَلاَ غَيَّ؛ لِمَنْ أَخَّرَهَا إلَى آخَرِ وَقْتِهَا الَّذِي يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ وَقْتًا مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ، يَدْخُلُ فِي حِينٍ مَحْدُودٍ؛ وَيَبْطُلُ فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلاَّهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلاَّهَا بَعْدَ وَقْتِهَا؛ لاَِنَّ كِلَيْهِمَا صَلَّى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ؛ وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا لاَِحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَضَاءَ إيجَابُ شَرْعٍ، وَالشَّرْعُ لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ‏.‏ فَنَسْأَلُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْعَامِدِ قَضَاءَ مَا تَعَمَّدَ تَرْكَهُ مِنْ الصَّلاَةِ‏:‏ أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الصَّلاَةِ الَّتِي تَأْمُرُهُ بِفِعْلِهَا، أَهِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا أَمْ هِيَ غَيْرُهَا فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هِيَ هِيَ؛ قلنا لَهُمْ‏:‏ فَالْعَامِدُ؛ لِتَرْكِهَا لَيْسَ عَاصِيًا؛ لاَِنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ إثْمَ عَلَى قَوْلِكُمْ، وَلاَ مَلاَمَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَيْسَتْ هِيَ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، قلنا صَدَقْتُمْ؛ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ إذْ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ أَمَرُوهُ بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاَةِ إلَى بَعْدِ الْوَقْتِ‏:‏ أَطَاعَةٌ هِيَ أَمْ مَعْصِيَةٌ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ طَاعَةٌ، خَالَفُوا إجْمَاعَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ كُلِّهِمْ الْمُتَيَقَّنَ، وَخَالَفُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ‏:‏ وَإِنْ قَالُوا‏:‏ هُوَ مَعْصِيَةٌ صَدَقُوا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ عَنْ الطَّاعَةِ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَدَّ أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَقْتِ صَلاَةٍ مِنْهَا أَوَّلاً لَيْسَ مَا قَبْلَهُ وَقْتًا لِتَأْدِيَتِهَا، وَآخِرًا لَيْسَ مَا بَعْدَهُ وَقْتًا؛ لِتَأْدِيَتِهَا، هَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ؛ فَلَوْ جَازَ أَدَاؤُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ لِتَحْدِيدِهِ عليه السلام آخِرَ وَقْتِهَا مَعْنًى؛ وَلَكَانَ لَغْوًا مِنْ الْكَلاَمِ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ عَمَلٍ عُلِّقَ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَلَوْ صَحَّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتًا لَهُ، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَنَسْأَلُهُمْ‏:‏ لِمَ أَجَزْتُمْ الصَّلاَةَ، بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَمْ تُجِيزُوهَا قَبْلَهُ فَإِنْ ادَّعُوا الإِجْمَاعَ كَذَبُوا؛ لاَِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يُجِيزَانِ الصَّلاَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، لاَ سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ يُجِيزُونَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ قِتَالَ أَبِي بَكْرٍ؛ لاَِهْلِ الرِّدَّةِ، إنَّمَا كَانَ قِيَاسًا لِلزَّكَاةِ عَلَى الصَّلاَةِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَهُمْ قَدْ فَرَّقُوا هَهُنَا بَيْنَ حُكْمِ الزَّكَاةِ وَالصَّلاَةِ فَلْيَعْجَبْ الْمُتَعَجِّبُونَ، وَإِنْ ادَّعُوا فَرْقًا مِنْ جِهَةِ نَصٍّ أَوْ نَظَرٍ لَمْ يَجِدُوهُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ النَّاسِيَ وَالنَّائِمَ وَالسَّكْرَانَ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا‏.‏ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ بِالْوَقْتِ قلنا‏:‏ لاَ بَلْ وَقْتُ الصَّلاَةِ لِلنَّاسِي وَالسَّكْرَانِ وَالنَّائِمِ مُمْتَدٌّ غَيْرُ مُنْقَضٍ‏.‏ وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عُصَاةً فِي تَأْخِيرِهَا إلَى أَيِّ وَقْتٍ صَلُّوهَا فِيهِ، وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ مُنْقَسِمٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا إمَّا أَمْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِوَقْتٍ؛ فَهَذَا يُجْزِئُ أَبَدًا مَتَى أُدِّيَ، كَالْجِهَادِ وَالْعُمْرَةِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا يُجْزِئُ مَتَى أُدِّيَ؛ وَالْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا، وَأَمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الأَوَّلِ غَيْرُ مَحْدُودِ الآخِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا لاَ يُجْزِئُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلاَ يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ أَبَدًا؛ لاَِنَّهُ لاَ آخِرَ لِوَقْتِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ أَفْضَلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا أَمْرٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَهَذَا لاَ يُجْزِئُ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلاَ بَعْدَ وَقْتِهِ؛ وَيُجْزِئُ فِي جَمِيعِ وَقْتِهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَوَسَطِهِ كَالصَّلاَةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ وَنَقُولُ لِمَنْ خَالَفَنَا‏:‏ قَدْ وَافَقْتُمُونَا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لاَ يُجْزِئُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَأَنَّ الصَّوْمَ لاَ يُجْزِئُ فِي غَيْرِ النَّهَارِ؛ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ ذُو وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَهَذَا مَا لاَ انْفِكَاكَ مِنْهُ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا قِسْنَا الْعَامِدَ عَلَى النَّاسِي‏.‏

قلنا الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لاَِنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَظِيرِهِ، لاَ عَلَى ضِدِّهِ، وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ وَافَقَهُمْ مَنْ لاَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، فَصَارَ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا وَبَاطِلاً لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ وَالْعَمْدُ ضِدُّ النِّسْيَانِ، وَالْمَعْصِيَةُ ضِدُّ الطَّاعَةِ، بَلْ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَجِّ؛ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا، لاَ سِيَّمَا، وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَقِيسُونَ الْحَالِفَ عَامِدًا؛ لِلْكَذِبِ عَلَى الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ غَيْرُ عَامِدٍ لِلْكَذِبِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ يُسْقِطُونَ الْكَفَّارَةَ عَنْ الْعَامِدِ، وَيُوجِبُونَهَا عَلَى غَيْرِ الْعَامِدِ، وَلاَ يَقِيسُونَ قَاتِلَ الْعَمْدِ عَلَى قَاتِلِ الْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، بَلْ يُسْقِطُونَهَا عَنْ قَاتِلِ الْعَمْدِ، وَلاَ يَرُونَ قَضَاءَ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ؛ فَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ، وَتَحَكُّمٌ بِالدَّعْوَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى الْعَامِدِ؛ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لَمَا أَغْفَلَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَلاَ نَسِيَاهُ، وَلاَ تَعَمَّدَا إعْنَاتَنَا بِتَرْكِ بَيَانِهِ وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا وَكُلُّ شَرِيعَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهَا الْقُرْآنُ، وَلاَ السُّنَّةُ فَهِيَ بَاطِلٌ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَصَحَّ أَنَّ مَا فَاتَ فَلاَ سَبِيلَ إلَى إدْرَاكِهِ، وَلَوْ أُدْرِكَ أَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَ؛ لَمَا فَاتَ، كَمَا لاَ تَفُوتُ الْمَنْسِيَّةُ أَبَدًا، وَهَذَا لاَ إشْكَالَ فِيهِ، وَالآُمَّةُ أَيْضًا كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ وَالْحُكْمِ بِأَنَّ الصَّلاَةَ قَدْ فَاتَتْ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا‏.‏

فَصَحَّ فَوْتُهَا بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلَوْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهَا وَتَأْدِيَتُهَا لَكَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا فَاتَتْ كَذِبًا وَبَاطِلاً‏.‏ فَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَبَدًا‏.‏ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسُلَيْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَبَدِيلٌ الْعُقَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُمْ‏.‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ‏:‏ رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً يَقْرَأُ صَحِيفَةً، فَقَالَ لَهُ‏:‏ يَا هَذَا الْقَارِئُ؛ إنَّهُ لاَ صَلاَةَ؛ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا، فَصَلِّ ثُمَّ اقْرَأْ مَا بَدَا لَك‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيِّ عَنْ عَمِّهِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْجَابِيَةِ‏:‏ أَلاَ، وَإِنَّ الصَّلاَةَ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لاَ تَصْلُحُ إلاَّ بِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ‏:‏ قَالَ سُلَيْمَانُ هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الصَّلاَةُ مِكْيَالٌ؛ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ؛ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قِيلَ فِي الْمُطَفِّفِينَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَنْ أَخَّرَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ طَفَّفَ، وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ السَّهْوُ التَّرْكُ عَنْ الْوَقْتِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَوْ أَجْزَأَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا كَانَ لَهُ الْوَيْلُ عَنْ شَيْءٍ قَدْ أَدَّاهُ‏.‏

وبه إلى وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحَسَنُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ وَاَلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ فَقَالَ‏:‏ ذَلِكَ عَلَى مَوَاقِيتِهَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إلاَّ عَلَى تَرْكِهَا، قَالَ تَرْكُهَا هُوَ الْكُفْرُ‏.‏ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إنَّ لِلصَّلاَةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ؛ فَصَلُّوا الصَّلاَةَ؛ لِمِيقَاتِهَا‏.‏ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ‏:‏ إنَّ لِلصَّلاَةِ وَقْتًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الَّذِي يُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَحْنُونَ عن ابْنِ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ يُصَلِّي مَعَهُمْ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أُصَلِّي مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ لاَ أُصَلِّيَ شَيْئًا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الصَّلاَةَ الآُولَى كَانَتْ فَرْضَهُ وَالآُخْرَى تَطَوُّعٌ، فَهُمَا صَلاَتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَإِنَّ الصَّلاَةَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ صَلاَةً أَصْلاً، وَلاَ هِيَ شَيْءٌ‏.‏ وَعَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْوَانِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَقْوَامًا فَعَابَهُمْ فَقَالَ‏:‏ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا وَلَمْ تَكُنْ إضَاعَتُهُمْ إيَّاهَا، أَنْ تَرَكُوهَا؛ وَلَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلِ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا صَلَّى الصَّلاَةَ؛ لِوَقْتِهَا صَعِدَتْ وَلَهَا نُورٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ، وَقَالَتْ‏:‏ حَفِظْتَنِي حَفِظَك اللَّهُ، وَإِذَا صَلاَّهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا طُوِيَتْ كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ‏.‏ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا أَيْ لاَ صَلاَةَ كَامِلَةً؛

وَكَذَلِكَ قَالَ آخَرُونَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَيُقَالُ؛ لِهَؤُلاَءِ‏:‏ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا ادَّعَيْتُمْ

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هُوَ مَعْهُودُ كَلاَمِ الْعَرَبِ؛ قلنا‏:‏ مَا هُوَ كَذَلِكَ؛ بَلْ مَعْهُودُ كَلاَمِ الْعَرَبِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ ‏"‏ لاَ ‏"‏ لِلنَّفْيِ وَالتَّبْرِئَةِ جُمْلَةً إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ أَوْ ضَرُورَةُ حِسٍّ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ، ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَنَا، وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لاَِنَّ كُلَّ صَلاَةٍ لَمْ تَكْمُلْ وَلَمْ تَتِمَّ فَهِيَ بَاطِلٌ كُلُّهَا، بِلاَ خِلاَفٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّمَا هَذَا فِيمَا نَقَصَ مِنْ فَرَائِضِهَا؛ قلنا‏:‏ نَعَمْ؛ وَالْوَقْتُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلاَةِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ صَلاَةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِهَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مَا نَعْلَمُ؛ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، مُخَالِفًا مِنْهُمْ، وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ فَرْضٍ وَاحِدَةٍ مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ‏.‏ وَهَؤُلاَءِ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَرَوْنَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءَ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ‏.‏ فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَيْضًا لاَ يَرَوْنَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاَةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا قَضَاءً‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِمَنْ خُوطِبَ بِالصَّلاَةِ فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لاَ فِي حَالِ الْمُطَاعَنَةِ وَالْقِتَالِ وَالْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ‏}‏، وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا‏}‏ وَلَمْ يَفْسَحْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْكِهَا عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى صَلاَّهَا بِطَائِفَتَيْنِ وُجُوهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ وَلَمْ يَفْسَحْ تَعَالَى فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا لِلْمَرِيضِ الْمُدْنَفِ، بَلْ أُمِرَ إنْ عَجَزَ عَنْ الصَّلاَةِ قَائِمًا أَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ فَعَلَى جَنْبٍ؛ وَبِالتَّيَمُّمِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ، وَبِغَيْرِ تَيَمُّمٍ إنْ عَجَزَ عَنْ التُّرَابِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَازَ مَنْ أَجَازَ تَعَمُّدَ تَرْكِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهَا تُجْزِئُهُ كَذَلِكَ؛ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، لاَ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلٍ لِصَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ‏.‏ وَقَدْ أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ عليه السلام تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لَهَا‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ مِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لاَِنَّهُمْ مُقِرُّونَ مَعَنَا بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، وَلاَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلاَةِ فَرْضٍ ذَاكِرًا لَهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا، فَإِنَّهُ فَاسِقٌ مُجَرَّحُ الشَّهَادَةِ، مُسْتَحِقٌّ؛ لِلضَّرْبِ وَالنَّكَالِ، وَمَنْ أَوْجَبَ شَيْئًا مِنْ النَّكَالِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ وَصَفَهُ وَقَطَعَ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ أَوْ بِجَرْحِهِ فِي شَهَادَتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ مُرْتَدٌّ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ حَلاَلُ الدَّمِ وَالْمَالِ؛ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي‏}‏ وَقَوْلَهُ عليه السلام‏:‏ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ قَدْ صَحَّ وُجُوبُ الصَّلاَةِ، فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُهَا إلاَّ بِبُرْهَانِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ كُلَّ صَلاَةٍ فِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ، وَلَمْ يُوجِبْهَا عليه السلام لاَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلاَ بَعْدَهُ، فَمَنْ أَخَذَ بِعُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ وهذا الخبر لَزِمَهُ إقَامَةُ الصَّلاَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا خِلاَفٌ لِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ بِوَقْتِهَا‏.‏ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ؛ إنَّهُمْ اشْتَدَّتْ الْحَرْبُ غَدَاةَ فَتْحِ تُسْتَرَ فَلَمْ يُصَلُّوا إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ؛ لاَِنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مَكْحُولٌ‏:‏ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ أَنَسًا؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ تَرَكُوهَا عَارِفِينَ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا، بَلْ كَانُوا نَاسِينَ لَهَا بِلاَ شَكٍّ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِفَاضِلٍ مِنْ عَرْضِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ هَذَا، فَكَيْفَ بِصَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَلَوْ كَانُوا ذَاكِرِينَ لَهَا لَصَلَّوْهَا صَلاَةَ الْخَوْفِ كَمَا أُمِرُوا، أَوْ رِجَالاً وَرُكْبَانًا كَمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا، فَلاَحَ يَقِينًا كَذِبُ مَنْ ظَنَّ غَيْرَ هَذَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

280 - مسألة

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ أَنْ يَتُوبَ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الصَّلاَةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكْثِرَ مِنْ التَّطَوُّعِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ‏}‏ وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ‏}

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا‏}‏ وَأَجْمَعَتْ الآُمَّةُ وَبِهِ وَرَدَتْ النُّصُوصُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّ لِلتَّطَوُّعِ جُزْءًا مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، وَلِلْفَرِيضَةِ أَيْضًا جُزْءٌ مِنْ الْخَيْرِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، فَلاَ بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْ جُزْءِ التَّطَوُّعِ إذَا كَثُرَ مَا يُوَازِي جُزْءَ الْفَرِيضَةِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لاَ يُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ، وَأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وَأَنَّ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، حدثنا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلاَةُ، يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلاَئِكَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ‏:‏ اُنْظُرُوا فِي صَلاَةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةٌ وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ‏:‏ اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ‏:‏ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكُمْ‏.‏ قَالَ أَبُو دَاوُد‏:‏ وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ‏:‏ ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ حَسَبَ ذَلِكَ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ني عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ جَمِيعًا، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ‏:‏ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْت إلَيْهِ، فَقَالَ‏:‏ يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ‏.‏ فَهَذَا بَيَانُ مِقْدَارِ أَجْرِ التَّطَوُّعِ وَأَجْرِ الْفَرِيضَةِ، وَإِنَّمَا هَذَا لِمَنْ تَابَ وَنَدِمَ وَأَقْلَعَ وَاسْتَدْرَكَ مَا فَرَّطَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْمَفْرُوضَاتِ وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّطَوُّعِ؛ لِيَجْبُرَ بِذَلِكَ مَا عَصَى فِي تَرْكِهِ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا عَاصٍ فِي تَطَوُّعِهِ؛ لاَِنَّهُ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَضَعْهُ؛ لِتُتْرَكَ الْفَرِيضَةَ، بَلْ؛ لِيَكُونَ زِيَادَةَ خَيْرٍ وَنَافِلَةً، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُجْبَرُ بِهِ الْفَرْضُ الْمُضَيَّعُ‏.‏ وَإِذَا عَصَى فِي تَطَوُّعِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ التَّطَوُّعَ لاَ يُقْبَلُ مِمَّنْ لاَ يُؤَدِّي الْفَرِيضَةَ كَالتَّاجِرِ لاَ يَصِحُّ لَهُ رِبْحٌ حَتَّى يَخْلُصَ رَأْسُ مَالِهِ؛ فَبَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ؛ لاَِنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ عَنْ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ، وَهَذِهِ بَلاَيَا فِي نَسَقٍ إحْدَاهَا يَكْفِي؛ وَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ‏.‏ وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ؛ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَصَدَ التَّطَوُّعَ؛ لِيُعَوِّضَهُ عَنْ الْفَرِيضَةِ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ نَادِمٍ، وَلاَ تَائِبٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ الْخَمْسُ

281 - مسألة

الْمَفْرُوضُ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى خَمْسٌ وَهِيَ‏:‏ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الآخِرَةُ، وَهِيَ الْعَتَمَةُ، وَصَلاَةُ الْفَجْرِ‏.‏ فَالصُّبْحُ رَكْعَتَانِ أَبَدًا، عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، مِنْ صَحِيحٍ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ مُقِيمٍ؛ خَائِفٍ أَوْ آمِنٍ؛ وَالْمَغْرِبُ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ أَبَدًا؛ كَمَا قلنا فِي الصُّبْحِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏.‏

وَأَمَّا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ الآخِرَةُ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الْمُقِيمِ مَرِيضًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا، خَائِفًا أَوْ آمِنًا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ؛ وَكُلُّ هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ قَدِيمًا، وَلاَ حَدِيثًا، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ وَكُلُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ عَلَى الْمُسَافِرِ الآمِنِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ الْخَائِفُ فَإِنْ شَاءَ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَالْخِلاَفُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ هَذَا فِيمَا ذَلِكَ السَّفَرُ؛ وَفِي مِقْدَارِ ذَلِكَ السَّفَرِ مِنْ الزَّمَانِ وَمِنْ الْمَسَافَةِ؛ وَفِي هَلْ ذَلِكَ الْقَصْرُ عَلَيْهِ فَرْضٌ أَمْ هُوَ فِيهِ مُخَيَّرٌ، وَفِي هَلْ تُجْزِئُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ أَمْ لاَ‏.‏ وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَبُطْلاَنَ الْخَطَأِ فِيهِ، فِي أَبْوَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَبِهِ تَعَالَى نَسْتَعِينَ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ‏.‏

أَقْسَامُ التَّطَوُّعِ

282 - مسألة

أَقْسَامُ التَّطَوُّعِ أَوْكَدُ التَّطَوُّعِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا، مِنْ الأَقْسَامِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصَةً بِأَسْمَائِهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَرِدْ بِهِ أَمْرٌ، وَلَكِنْ جَاءَ النَّدْبُ إلَيْهِ‏.‏ أَوْكَدُ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ الثَّانِي وَقَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحَ، ثُمَّ صَلاَةُ الْعِيدَيْنِ؛ ثُمَّ صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ وَقِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ، إنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ إلاَّ فِي آخِرِهِنَّ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ؛ وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَمَا تَطَوَّعَ بِهِ الْمَرْءُ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْمَرْءُ فِي نَهَارِهِ وَلَيْلِهِ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عن ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ، أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الْغُبَرِيِّ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنُ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا‏.‏ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الاِسْتِسْقَاءِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَضَّ عليه السلام أَيْضًا عَلَى قِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، حدثنا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَطَوُّعِهِ فَقَالَتْ‏:‏ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا؛ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ‏:‏ سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَوَصَفَ، قَالَ‏:‏ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا ثِنْتَيْنِ، وَيُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ‏.‏

وبه إلى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ‏:‏ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حدثنا حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَصَفَ قَالَ‏:‏ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ، وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ تَعَارُضَ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ مُبَاحٌ؛ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيِّ، حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ دَخَلَ فِي هَذَا الْعُمُومِ مَا بَيْنَ أَذَانِ الْعَتَمَةِ، وَإِقَامَتِهَا، وَمَا بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ، وَإِقَامَتِهَا؛ وَمَا بَيْنَ أَذَانِ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَإِقَامَتِهَا‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا الضَّحَّاكُ يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ، حدثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِمَا‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ إلاَّ نَهَارًا فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ؛ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ‏:‏ يَا بِلاَلُ؛ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دُفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ قَالَ بِلاَلٌ‏:‏ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ‏.‏

فَصْلٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ

283 - مسألة

قال أبو محمد‏:‏ مَنَعَ قَوْمٌ مِنْ التَّطَوُّعِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيَّ قَالَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ، حدثنا الصَّمُوتُ، حدثنا الْبَزَّارُ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حدثنا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ إلاَّ الْمَغْرِبَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ مَا رَوَاهُ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا‏.‏ وَذَكَرُوا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا وَهَذَا لاَ شَيْءَ؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لاَِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ، وَلاَ وُلِدَ إلاَّ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِسِنِينَ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ، رضي الله عنهم، نَهُوا عَنْهُمَا، وَلاَ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُمَا، وَنَحْنُ لاَ نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ تَرْكَ جَمِيعِ التَّطَوُّعِ مُبَاحٌ، مَا لَمْ يَتْرُكْهُ الْمَرْءُ رَغْبَةً عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا هُوَ الْهَالِكُ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ نَهْيُهُمْ عَنْهُمَا وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ لَمَا كَانَتْ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ عَلَى مَنْ صَلاَّهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَجَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَمَعَهُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ إقْدَامِهِمْ عَلَى مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ إذَا اشْتَهُوا وَتَعْظِيمِهِمْ مُخَالَفَتِهِمَا إذَا اشْتَهُوا وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ لاَ خَفَاءَ بِهِ نَعْنِي هَؤُلاَءِ الْمُقَلِّدِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ وَذَكَرُوا عن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَا رَأَيْت أَحَدًا يُصَلِّيهِمَا، وَهَذَا لاَ شَيْءَ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لاَِنَّهُ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبٍ، وَلاَ نَدْرِي مَنْ هُوَ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ نَهْيٌ عَنْهُمَا، وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ تَرْكَ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْهُمَا؛ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ أَبَدًا؛ بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ صَلاَتِهِمَا؛ لَمَّا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ النَّادِبِينَ إلَيْهِمَا؛ وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ حُجَّةَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إذْ لَمْ يُوَافِقْ تَقْلِيدَهُمْ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ ثُمَّ يَجْعَلُونَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، حُجَّةً إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَالْحُجَّةُ فِيهَا هُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِي، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ سَمِعْت مَرْثَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ هُوَ أَبُو الْخَيْرِ قَالَ‏:‏ أَتَيْت عُقْبَةَ بْنَ عَامِرِ الْجُهَنِيِّ فَقُلْت‏:‏ أَلاَ أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ؛ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ عُقْبَةُ إنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْت فَمَا يَمْنَعُك الآنَ قَالَ‏:‏ الشُّغْلُ‏.‏

وبه إلى الْبُخَارِيِّ‏:‏ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ غُنْدَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ عَامِرِ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، كِلاَهُمَا عن ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَسَأَلْت‏:‏ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا فَقَالَ‏:‏ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُقِرُّ إلاَّ عَلَى الْحَقِّ الْحَسَنِ، وَلاَ يَرَى مَكْرُوهًا إلاَّ كَرِهَهُ، وَلاَ خَطَأً إلاَّ نَهَى عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَقَالَ بِهَذَا جُمْهُورُ النَّاسِ، وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏"‏ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلاَةَ قَدْ صُلِّيَتْ لِكَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا ‏"‏ فَهَذَا عُمُومٌ لِلصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ؛ كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يُصَلِّيَانِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ‏.‏ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأُبَيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ‏:‏ لاَ يَدَعَانِهِمَا‏.‏ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ رَغْبَانَ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ‏:‏ رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُبُّونَ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ كَمَا يَهُبُّونَ إلَى الْفَرِيضَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ مَا رَأَيْت فَقِيهًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ إلاَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ، يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد الْوَرَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ‏:‏ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ أَشْهَدُ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ‏.‏ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَكَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ‏.‏ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ‏:‏ سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَسْأَلُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ‏:‏ حَسَنَتَيْنِ جَمِيلَتَيْنِ؛ لِمَنْ أَرَادَ بِهِمَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا‏.‏

284 - مسألة

وَأَمَّا إعَادَةُ مَنْ صَلَّى إذَا وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي تِلْكَ الصَّلاَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ مَكْرُوهٌ تَرْكُهُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى مُنْفَرِدًا؛ لِعُذْرٍ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَلْيُصَلِّهَا وَلَوْ مَرَّاتٍ كُلَّمَا وَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّيهَا، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ‏:‏ لاَ يُصَلِّيهَا ثَانِيَةً أَصْلاً‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يُصَلِّي ثَانِيَةً إلاَّ الظُّهْرَ وَالْعَتَمَةَ فَقَطْ، سَوَاءٌ كَانَ صَلاَّهُمَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا، وَالآُولَى هِيَ صَلاَتُهُ؛ حَاشَا صَلاَةَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهُ إنْ صَلاَّهَا فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَجْزَأَتْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَضَ إلَى الْجَامِعِ، فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ وَالإِمَامُ لَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ؛ فَحِينَ خُرُوجِهِ لِذَلِكَ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ الَّتِي كَانَ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، وَكَانَتْ الَّتِي تُصَلَّى مَعَ الإِمَامِ فَرْضَهُ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ لاَ تَبْطُلُ صَلاَتُهُ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِخُرُوجِهِ إلَى الْجَامِعِ، لَكِنْ بِدُخُولِهِ مَعَ الإِمَامِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ تَبْطُلُ الَّتِي صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ يُعِيدُ مَنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ صَلاَةَ فَرْضٍ مَعَ الْجَمَاعَةِ إذَا وَجَدَهَا تُصَلِّي تِلْكَ الصَّلاَةَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ حَاشَا الْمَغْرِبَ فَلاَ يُعِيدُهَا، قَالَ‏:‏ وَالأَمْرُ فِي أَيِّ الصَّلاَتَيْنِ فَرْضُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ‏:‏ فَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يُعِدْ فِي أُخْرَى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ الإِعَادَةِ جُمْلَةً فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد‏:‏ حدثنا أَبُو كَامِلٍ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا حُسَيْنٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ‏:‏ أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلاَطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقُلْت‏:‏ أَلاَ تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ قَدْ صَلَّيْت، وَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ تُصَلُّوا صَلاَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا؛ إنَّهُ يُصَلِّي عَلَى نِيَّةِ أَنَّهَا الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّى، فَيَجْعَلُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ظُهْرَيْنِ أَوْ عَصْرَيْنِ أَوْ صُبْحَيْنِ أَوْ مَغْرِبَيْنِ أَوْ عَتَمَتَيْنِ؛ هَذَا كُفْرٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ؛ لاَِحَدٍ لَكِنَّهُ يُصَلِّي نَافِلَةً كَمَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لاَ يَجُوزُ

وَاحْتَجَّ بِالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَغَلَّبَهَا عَلَى أَحَادِيثِ الأَمْرِ؛ وَغَلَّبْنَا نَحْنُ أَحَادِيثَ الأَمْرِ، وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْعَمَلَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بَعْدَ تَمَامِ كَلاَمِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الَّتِي بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تُصَلِّي الْمَغْرِبَ خَاصَّةً بِأَنْ قَالُوا‏:‏ إنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرُ النَّهَارِ، فَلَوْ صَلاَّهَا ثَانِيَةً لَشَفَعَهَا، فَبَطَلَ كَوْنُهَا وِتْرًا‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ؛ لاَِنَّ إحْدَاهُمَا نَافِلَةٌ وَالآُخْرَى فَرِيضَةٌ، بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ وَالنَّافِلَةُ لاَ تَشْفَعُ الْفَرِيضَةَ، بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لاَ تَطَوُّعَ بِثَلاَثٍ؛ لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لاَِنَّ الَّذِي وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِي إخْبَارِهِ بِأَنَّ صَلاَةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، هُوَ الَّذِي أَمَرَ مَنْ صَلَّى وَوَجَدَ جَمَاعَةً تُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَلَمْ يَخُصَّ صَلاَةً بَعْدَ صَلاَةٍ، وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُتَنَفَّلَ فِي الْوِتْرِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلاَثٍ، وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْوَقْتِ فَقَالُوا‏:‏ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعَتَمَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ؛ فَأَجَازُوا لَهُ التَّطَوُّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لاَ يُسَلِّمُ بَيْنَهَا؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَثْنَى مَثْنَى، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ‏.‏ وَالْحَقُّ فِي هَذَا هُوَ أَنَّ جَمِيعَ أَوَامِرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ لاَ يُضْرَبُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، بَلْ يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهَا كَمَا هِيَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ إنَّ وَقْتَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لاَِنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي، لاَ شَكَّ فِي أَنَّهَا تُصَلِّي فِي وَقْتِ تِلْكَ الصَّلاَةِ بِلاَ خِلاَفٍ، فَمَا ضَاقَ وَقْتُهَا بَعْدُ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْمَغْرِبِ هُمْ وَالْحَنَفِيُّونَ مَعًا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْمَالِكِيِّينَ بِأَنْ يُصَلِّيَ مَنْ صَلاَّهَا مُنْفَرِدًا فَخَطَأٌ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِتَخْصِيصِ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلاَةُ فَضْلاً لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لِمَنْ يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ، وَلاَ فَرْقَ، وَفَضْلُ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ قَائِمٌ فِي كُلِّ جَمَاعَةٍ يَجِدُهَا، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيُّهُمَا صَلاَتُهُ فَخَطَأٌ؛ لاَِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَجَدَهَا تُصَلِّي غَيْرُ رَاغِبٍ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ، فَإِذْ لاَ خِلاَفَ عِنْدَهُمْ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يُصَلِّ فَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلاَ بُدَّ؛ فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهَا نَافِلَةٌ إنْ صَلاَّهَا؛ لاَِنَّ هَذِهِ هِيَ صِفَةُ النَّافِلَةِ؛ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ إنْ شَاءَ صَلاَّهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُصَلِّهَا‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاَةَ قَبْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَوَى صَلاَتَهُ إيَّاهَا أَنَّهُ فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي الَّتِي صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ، فَإِنْ كَانَ فَعَلَ هَذَا، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ؛ فِي أَنْ صَلَّى صَلاَةً وَاحِدَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ؛ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَرْضُهُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، أَوْ يَكُونَ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِلْتَيْهِمَا؛ فَهَذَا لَمْ يُصَلِّ أَصْلاً‏.‏ وَلاَ تَجْزِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَهُوَ عَابِثٌ عَاصٍ؛ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ يَكُونَ نَوَى فِي الآُولَى أَنَّهَا فَرْضُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا نَافِلَةٌ أَوْ فِي الآُولَى أَنَّهَا نَافِلَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا فَرْضُهُ، فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَلاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ‏:‏ الثَّانِيَةُ هِيَ فَرْضُهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَالْحَقُّ فِي هَذَا‏:‏ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فَصَلَّى وَحْدُهُ، أَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، فَالآُولَى فَرْضُهُ بِلاَ شَكٍّ؛ لاَِنَّهَا هِيَ الَّتِي أَدَّى عَلَى أَنَّهَا فَرْضُهُ، وَنَوَى ذَلِكَ فِيهَا‏.‏ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا؛ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ عُذْرَ لَهُ فِي التَّأَخُّرِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ فَالآُولَى إنْ صَلاَّهَا وَحْدَهُ بَاطِلٌ‏:‏ وَالثَّانِيَةُ فَرْضُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ، وَلاَ بُدَّ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي وُجُوبِ فَرْضِ الْجَمَاعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِيمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي مَنْزِلِهِ؛ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَبَاطِلٌ لِوُجُوهٍ‏:‏

أَوَّلُهَا‏:‏ تَفْرِيقُهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ إنَّهَا تُجْزِئُهُ إذَا صَلاَّهَا مُنْفَرِدًا؛ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي مَنْزِلِهِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ إبْطَالُهُ تِلْكَ الصَّلاَةَ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَهَا‏:‏ إمَّا بِخُرُوجِهِ إلَى الْجَامِعِ، وَأَمَّا بِدُخُولِهِ مَعَ الإِمَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ مَدْخُولَةٌ، وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَأَبُو كَامِلِ الْجَحْدَرِيِّ قَالاَ‏:‏ حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا قُلْتُ‏:‏ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ‏:‏ صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا فِيهِمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ قَالَ‏:‏ أَخَّرَ ابْنُ زِيَادٍ الصَّلاَةَ، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ فَذَكَرْت لَهُ صَنِيعَ ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ‏:‏ سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ‏:‏ إنِّي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ‏:‏ صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَ الصَّلاَةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلاَ تَقُلْ إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلاَ أُصَلِّي‏.‏ فَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ صَلاَةٍ، وَلِمَنْ صَلاَّهَا فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَأَخَذَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ

كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ‏:‏ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ؛ وَكَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَالنُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ اتَّعَدَا مَوْعِدًا فَجَاءَ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ صَلَّى، فَصَلَّى الْفَجْرَ مَعَ صَاحِبِهِ‏.‏

وبه إلى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَحُمَيْدٍ كِلاَهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَدِمْنَا مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَصَلَّى بِنَا الْفَجْرَ فِي الْمِرْبَدِ، ثُمَّ جِئْنَا إلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَإِذَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ مُخْتَلِطُونَ، فَصَلَّيْنَا مَعَهُمْ‏.‏ فَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ بِخِلاَفِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَبَعْدَ أَنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً بِخِلاَفِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ يَخُصُّ صَلاَةَ الْمُنْفَرِدِ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرِ الْعَبْسِيِّ‏:‏ خَرَجْت مَعَ حُذَيْفَةَ فَمَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الظُّهْرَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى؛ ثُمَّ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الْعَصْرَ وَقَدْ كَانَ صَلَّى، ثُمَّ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصَلَّى مَعَهُمْ الْمَغْرِبَ وَشَفَعَ بِرَكْعَةٍ وَكَانَ قَدْ صَلَّى، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ يُعِيدُ الْعَصْرَ إذَا جَاءَ الْجَمَاعَةَ‏.‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ‏:‏ صَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَإِنَّ صَلاَتَك مَعَهُمْ تَفْضُلُ صَلاَتَك وَحْدَك بِضْعًا وَعِشْرِينَ صَلاَةً‏.‏ وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ لاَ بَأْسَ أَنْ تُعَادَ الصَّلاَةُ كُلُّهَا‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ إذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ فِي الْبَيْتِ ثُمَّ أَدْرَكْتُهَا مَعَ النَّاسِ فَإِنِّي أَجْعَلُ الَّتِي صَلَّيْتُهَا فِي بَيْتِي نَافِلَةً، وَأَجْعَلُ الَّتِي صَلَّيْت مَعَ النَّاسِ الْمَكْتُوبَةَ وَلَوْ لَمْ أُدْرِكْ إلاَّ رَكْعَةً وَاحِدَةً مِنْهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ الْمَغْرِبِ يُصَلِّيهَا الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَجِدُ النَّاسَ فِيهَا قَالَ‏:‏ أَشْفَعُ الَّتِي صَلَّيْت فِي بَيْتِي بِرَكْعَةٍ ثُمَّ أُسَلِّمُ ثُمَّ أَلْحَقُ بِالنَّاسِ، فَأَجْعَلُ الَّتِي هُمْ فِيهَا الْمَكْتُوبَةَ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَسَّانٍ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ‏:‏ صَلَّيْت أَنَا، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ جِئْنَا إلَى النَّاسِ وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ، فَدَخَلْنَا مَعَهُمْ فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ إبْرَاهِيمُ فَشَفَعَ بِرَكْعَةٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَمْ يَشْفَعْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ؛ لاَِنَّهُ تَطَوُّعٌ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ‏.‏ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى أَنَّ مَسْرُوقًا صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ مَعَهُمْ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ شَفَعَ الْمَغْرِبَ بِرَكْعَةٍ‏.‏ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ‏:‏ تُعَادُ الصَّلاَةُ إلاَّ الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ؛ وَلَكِنْ إذَا أَذَّنَ فِي الْمَسْجِدِ فَالْفِرَارُ أَقْبَحُ مِنْ الصَّلاَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْت الصَّلاَةَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الإِمَامِ فَصَلِّ مَعَهُ؛ غَيْرَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُمَا لاَ يُصَلَّيَانِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لاَِنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ فَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي زِيَادَتِهِ الْعَصْرَ فِيمَا لاَ يُعَادُ؛ وَخَالَفَهُ مَالِكٌ فِي إعَادَةِ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلاَفِ الْحَقِّ وَالْحُجَّةِ، فَقَدْ كَفَى خَصْمَهُ مُؤْنَتَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏